Propositions commerciales Contactez nous
La Casquette et le cigare. Commandez par ici
Soutenez l’écrivain avec votre contribution. Faites un don par ici

قراءة في رواية ( الكاسكيطة والسيجار)

 

بقلم الإعلامية نهاد مرنيز!

قِراءَتي في رواية ” الكاَسكِيطة والسِيجار ” للإعلامي غاني مهدي :

” أعطيتُ لنفسي إسم فنَان

ورُحت أصارعُ ويلاتَ الزمان

بنثر ٍ أتَى عَلى كُل عدُو

وشعرٍ حُر ٍطليقَ العَنان

في حقيبتي حنانُ أمٍ

وصمتُ أبٍ صَام عنِ الكَلام ” ….

إستوقفتني هذه الإنطلاقة ِ التي بدت كغُصنٍ أنتُزع بمُنتصفِ نُموٍ …ليختار أرضاً أخرى تمتدُ بها فُروعهُ …لم يكُن خياراً ..لكن الظُرُوف شاءَت أن تكُون هكذا وحسب !

جمعَ حُزنهُ في حقيبة ، فقد كان يعلمُ أن رحلتهُ القادمة تستحقُ المُجازفة ، مِثلماَ إستحقت كُل هذاَ الإنتظار …

وعلى الرغمِ من مواعِيدهِ المجهُولة ، التي سَقطت فِيما بعد !!

فقد قضى على ترتيبِ شغفهِ ….عن طريقِ بَعثرتهِ كُلياً !

لقد إستهلكنا الحُب كلهُ في تمجيدِ الماضي ، ومع مُرُور الوقت ، إكتشفنا بأن رحلة المُستقبل تحتاجُ لمشاعرٍ أكثر..لذلك نحنُ مُفلسُون جداً الآن …ولم يعُد بحوزتناَ ما نخسرهُ ..

نتشاركُ في هذا ” الهّم السياسي ” ، والسُخرية سلاحُنا الوحيد حتى نتخطى الشُعور بالكراهية تجاه كل شيء …

هذا الكتابُ ، هو بُنية داخلية ، لمجمُوعة من العوامل الواقعية التي أسهمت في بعثهِ نحو هذا الإنبثاق الحُر ، مُحاولاً تقليص المسافات الزمانية للتواريخ المشبُوهة ! …بدُون خُروجها عن النسقِ الذي أتت منهُ .

بِداية الرواية تستفزُّ فُضولكَ ، تُحرّضُك على تقصّي كُل شيء ، إنطلاقاً من توظيف المُؤلف لعناوين بارزةً تتصدرُ فُصولها ، مع تسلسُل سَردي رهيب يحملُ من العُمق الكثير منَ البسَاطة !

ليقُول : ” قصةُ منظُومة الحكم في الجزائر ، بدأت في بهو فندق فخم في مدينة جُنيف السويسرية مارس 1962 …”

العُنوان يمنحُك إنطباعاً بأنناَ قد أضحيناَ كالوقتِ ، إذا رحلناَ يوماً ..لن نعُود !

لذلكَ فعلى كُل من حولناَ ، ألاَ يعتاد وُجُودنا ، أشخاصٌ مثلُنا ، كثِيري الإنقسام ، لن نرسخَ في حياة أحدٍ هُنا …!

تنتابُك الغُربة وأنت تتصفحُ هذا الكتاب …وأنت تقرأُ ما بين الأسطُر ..لم يعُد مفهُومُ الغُربة مُرتبطاً بجواز سفرٍ ..وحقيبة ..

غُربة ” الإنتماء ” أشدُ فتكاً بنفسياتناَ التي تنهارُ عند أول خيبةٍ نُصادفها بهذهِ الحياة …عندَ أول موقف …حدثٍ …تاريخٍ … تكشف سيناريوهاتهِ المُحكمة ” التلفيقِ ” بالكواليس !

للكواليس ِظلالٌ مُخيفة …من بإمكانهِ مُلاحقةُ ظلٍ بأيامنا !!

ظلالٌ لا صوت لها ولا صُورة !

ومع ذلك …فهي تبني وتُهدم …وتمارسُ حياتها بشكلٍ غير طبيعي ، وغير تلقائي …والأهم … غير مَرئي !!

على طاولة شطرنج ، يموتُ الجميع ليعيش الملك !

الظلال ، لا تُؤمنُ بقواعد الشطرنج ، لأن الملك في حد ذاته هدفٌ للجميع !

والجميع ضد الجميع !

أليست الحياة ورطة كبيرة داخل منظُومة غامضة المعالم !

الغُربة …كانت الصَوت الطاغِي بالرِواية ، الأنين المُوجعُ الذي لم يُفارق حرف الكاتب ، فأينما وليّت وجهكَ بصفحاته تُقابلُكَ كختمٍ موشُومٍ تدركُ جيّداً بأنهُ لن يفارق ” تعريفك” بهذا الوُجود

هذه الرواية ُ …ثاني عَتبات التمرّد …بعد برنامج ” واش قالو في الجُرنان ” … التمرُّد الذي أنهكهُ الصمت في ما مَضى ..الفقد ..برد الحياةِ… والإحساسُ بالمجهُول …يعُودُ اليوم بقلبٍ صقلهُ الحرمانُ ليُؤكد لنا سقُوطهُ في ديمُومةِ اللاّمكان …واللاّزمان …أين تتمُ مُصادرةُ جميع التغطياتِ المُتعلقة بهِما !

جُثثٌ من المفاهيم تسقُط …تواريخٌ تنتفض …وأحداثٌ تُحتجب

وحدها الآثامُ باقيةٌ …تعيشُ وتتكاثرُ بيننا كفطرياتٍ يستحيلُ إجتثاثُهاَ …!

يقُولُ بأنهُ قد فعّل أدراجاً بذاكرتهِ ، كُل دُرجٍ به مدخلاتٌ مُعينة ، وهي نوعٌ من الترتيب الذهني الذي نُؤطرُ به ذاكرتناَ …

وأنا بدوري قمتُ بإنشاءِ دُرجٍ مُنفردٍ عن الأدراجِ الأخرى ، رغبتي بتفكيك شيفراتِ الكثير من الحقائق والمفاهيم ، طاعنةٌ في المُحاولاتِ ..بل وقد تكُون غير مُجدية !

بتُ خائفةً من توتُر ” العلاقاتِ ” الثُنائية بين قلبي وعقلي في تقبُلِ الكثيرِ منهاَ !

فلا يتحقق من بنُود إتفاقيتهماَ شيء …وأبقىَ أنا كــ ” ظِلٍ” يتبعُني !

كــ ” حقيقة ” تكشفُ نفسهاَ أمامي …وتتجهُ نحوي بزيِ شيطانٍ يعبثُ بأحلامي …وبأحلام الكثيرين ممن علقُوا آمال تطلُعاتهم على “مسار ” المُصالحة ِالذي مازلنا نفتقدُ للتصالُحِ معهُ !!

جميعُ المُفارقاتِ توشكُ نحو نهايتها …ببداية تعريتناَ لهاَ !

مقدماتٌ بقدر سوداويتها بقدر واقعيتها ،حاول غاني مهدي إزاحة بعضٍ من ضَبابيتهاَ من خِلال سردهِ لوقائعٍ يُعدُ النبش بها من المُحرّمات ..!

مع بداية قراءتي للرواية ، لا أنكُر حالة الإكتئاب التي لازمتني وقتهاَ ..كان هُناك ألمٌ عجزتُ عن تصنيفهِ ، يشبهُ الخيبة …لكنهُ كان أقوى منهاَ …بعدها َ … ماتت جميعُ حواسِي ، وصرتُ أقرأ ما تبقَى منه ُ بتأقلُمٍ ..!

بعدماَ كُنا نقرأ بشغفٍ …أصبحنا نقرأ بحُزن …

وتذكرتُ يوم كتبَ لي قائلاً : كان بوِّدي أن أرسل لكِ الأمل …لكنني أرسلتُ لكِ الألم ..”

نعم …الآن فهمتُ شعُور الألم هذا ، الذي نشتركُ به جميعاً تجاهَ هذا الوطن ..

الألم هو الأمر الوحيدُ الذي نتفقُ بهِ ، وهو ما يجمعُنا …أنا ..وأنتَ ..وغيري …وغيرُك من الجزائريين .

في الكثير ِ من اللَّيالي المَاضية ، إنهمكناَ جداً في ترصُدِ المسافاتِ التي تفصلُنا وأحلامناَ …ولم نُفكر بأنفسنا بفعل كل تلك الظُروف …وحين وصلناَ إلى مسافةٍ بعيدة..كُنّا قد تغيّرنا كثيراً، للدرجةِ التي لم نستطع بها معرفة بعضنا..لقد كانَ الخوفُ أول مخلُوقٍ نُكلمهُ عنّا …إنهُ “حفنةُ” شُعورٍ تُهددُ كُلٍ منّا ..

وكم من الليالي لبُيوتنا هجَرنا ، وكم من الممّرات ترقبنا موتاً ونجونّا …!

تركنا المسافات التي تربطُنا بوَطننا مفتُوحة ، لكننا تركناَ الطريق بمفردهِ …!

المُؤلف ، وبعد أن إستوقفهُ الواقع الذي منحهُ فرصة واحدة للخلاص ، وإنتزع منهُ الكثير ، يسردُ علينا بروايتهِ تفاصيل مجمُوعة من الأحداث ، بمُسميّاتٍ حقيقية لشخصياتٍ نافذة .. شهاداتٌ حية منذُ الإستقلال حتى اليوم ، وثَّقها من بَعضها عن بعضها ، ضمن توجُهات مُختلفة ومحاور مُتعددة مستوعبة المراحل المُتنوعة التي مرت بها ، مع وقفاتٍ عند أحداثٍ مُعينة لها خُصوصيتها المُتميزة بها .

قصصٌ عن الأحزاب الإسلامية ، والإغتيالات ، وجَبهات مُحاربة الفساد ، وخيباتُ الحُب !!

التي يقُولُ عنها : ” سقطت كُل مواعيدهُ معها ، كما سقطت مواعيدهُ مع الجزائر ! ” .

الرواية ، ترصدُ جدلية الصراع التاريخي للكثير من الشواهد المُغيّبة به ، ومنهُ نحكمُ على أن هذه الرواية سياسية ، حتى وإن قال عنها بأنها قصةُ حُب ، تتقاطع فيها جميعُ التفاصيل !!

الرواية التي يتمكنُ كاتبُها من تقديم رُؤيتهِ السِياسية كــ “قضية” من قضايا الواقع ، هي رواية سياسية بإمتياز .

قصة حُب بنزعة سياسية ، نوع روائيٌ راقني التوغُل به ، لا تتميز عن غيرها من الروايات إلا بتأكيدها على الحدث السياسي التاريخي ، الواقعي منهُ والقَراري !

وأناأقرأ الرواية ، لم أحس مُطلقا بتوظيفه للأقنعة التُراثية والمجازية في التعبير عن أحداثٍ معينة ، بل قدَّم سردهُ مُباشرة بشكلٍ تفسيري وتحليلي مُبسط يفهمهُ العامة قبل الخاصة .

ندركُ جيدا بأن هذا الأسلوب غير مُستحسن في عالمنا العربي عامةً ، وبالجزائر خاصةً ، و الذي مزال به كُتّابُه يلجؤون إلى الرمزية في كتاباتهم خوفا على أنفسهم .

بالرغم من كونهِ أول عمل روائي لهُ ، إلا أن غاني مهدي كان بالفعل ذا رُؤية واقعية “مُحنكةً ” بالتجارب والأحداث السياسية، فقد كان مُتصلاً في سردهِ بجميع الأدوار ،وعلى نفس خُطوطهم في الحديث وغاياتهم التي يهدفُون إليها، وإستراتيجيتهم التي قاموا باستخدامها .

لم تكن رواية … فقد كانت مرآة عن الواقع ،بقراءة حقيقية .

العمل الروائي لا يمكنهُ أن يُغيّر الواقع ، لكن إدراكُنا لهذا الأخير هو من يُساهم بذلك .

من أهم ما استوقفني كذلك هذه الفقرة : ” هل يُمكنك الدخول إلى الجزائر ؟ كان هذا السُؤال على كُل الشفاه …..حتى هو لم يكُ يعلمُ إن كان يستطيعُ العودة إلى الجزائر أم لا …فأنى له أن يُجيب ؟

لقد فتح على نفسه عدة جبهات ، فاصبح عدوا للنظام وعدوا للسلفيين وعدوا للمخابرات ! …” .

أخيراً … لقد إستطاع غاني مهدي أن ينقلنا إلى إستغوارِ اللاَّشعُور السِياسي وإكتشاف مكبُوتات ” التَسييسِ” وتجلياتهِ في “الطابُوهات” التي أصبحت فيما بعد أمراً عاديا ً .

نهاد مرنيز ©

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Comment

Shopping Cart

Your cart is empty

You may check out all the available products and buy some in the shop

Return to shop
Shop
Search
0 Cart
Home